مجموعة المحاماة اليمنية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
مجموعة المحاماة اليمنية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
مجموعة المحاماة اليمنية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجموعة المحاماة اليمنية

المحامي علي محمد مطهر العنسي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 تقدير التعويض في المسؤولية المدنية-2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 175
نقاط : 513
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 23/12/2009
العمر : 36

تقدير التعويض في المسؤولية المدنية-2 Empty
مُساهمةموضوع: تقدير التعويض في المسؤولية المدنية-2   تقدير التعويض في المسؤولية المدنية-2 Emptyالأحد فبراير 28, 2010 10:01 am

المطلب الثاني : شروط استحقاق الشرط الجزائي
إن شروط استحقاق الشرط الجزائي باعتباره تعويضا حدده المتعاقدان سلفا هي شروط قيام المسؤولية المدنية بصفة عامة, وذلك على أساس أنه لا يستحق إلا في حالة إخلال المدين بالتزامه, وهذا يرتب قيام المسؤولية المدنية.
وتتمثل هذه الشروط في وجود خطأ من المدين, ضرر يصيب الدائن, وعلاقة سببية تربط الخطأ بالضرر. ويضاف إلى هذا شرط إعذار المدين.
وقد تضمنت هذه الأحكام المواد من 176 إلى 181 من التقنين المدني بعد ما أحالت عليها المادة 183 من نفس التقنيين. فسنتناول من خلال هذا المطلب شروط قيام المسؤولية المدنية في فرع أول وشرط إعذار المدين في فرع ثان.

الفرع الأول : شروط قيام المسؤولية المدنية

وسنتناول في هذا الفرع شروط الخطأ, الضرر, علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
1- شرط الخطأ :
والخطأ فقها([27]) هو الإخلال بواجب قانوني، ويختلف هذا الواجب القانوني حسب صور المسؤولية المدنية، فهو في المسؤولية العقدية إلتزام رتبه العقد، أما في المسؤولية التقصيرية فهو واجب عام يترتب على الإخلال به قيام المسؤولية.
ولهذا التمييز آثاره، إذ أن مسؤولية المدين عن الإخلال بالتزامه التعاقدي، لا تسفر عن إنشاء إلتزام جديد، وإنما هي أثر لالتزام قائم مصدره العقد.
أما المسؤولية التقصيرية فهي تتضمن التزاما قائما بذاته، نشأ بالإخلال بالواجب العام المفروض على الناس جميعا هو الالتزام بالتعويض.([28])
واشتراط الخطأ كركن في المسؤولية التقصيرية مكرس قانونا بنص المادة 124 من التقنين المدني كما هو ظاهر من النص الفرنسي.([29])
أما بخصوص المسؤولية العقدية فلم يرد نص متضمن لقاعدة عامة تشترط الخطأ كأساس لمسؤولية المدين في المسؤولية التعاقدية، غير أنه يستشف من خلال عدة نصوص متفرقة أوردها التقنين المدني اشتراط الخطأ صراحة في بعض العقود، منها عقد المقاولة طبقا لنص المادة 568 في الفقرتين الثانية والثالثة، وعقد الوكالة في المادة 579 منه. ([30])

ويترتب على اشتراط الخطأ أن المسؤولية لا تتحقق إذا كان الإخلال بالالتزام راجع لفقد المدين للتمييز، إذ لا ينسب الخطأ إلى غير المميز. كما أن هذا الخطأ يمكن نفيه من خلال إثبات السبب الأجنبي، إذ تنص المادة 176 من التقنين المدني ([31]) بأنه إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ إلتزامه، ما لم يثبت بأن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب لا بد له فيه.
ومتى ترتب السبب الأجنبي انتفت المسؤولية ونتج عن ذلك عدم استحقاق الشرط الجزائي. ومتى انتفى الخطأ انتفت المسؤولية المدنية أيضا.
وباعتبار أن الشرط الجزائي يغلب وجوده في المسؤولية العقدية، ويندر في المسؤولية التقصيرية، كما سبق توضيحه، فسأخص بالدراسة انتفاء الخطأ في المسؤولية العقدية.
ولتحديد انتفاء الخطأ لابد من التفرقة بين الخطأ في الالتزام بتحقيق نتيجة والخطأ في الالتزام ببذل عناية.

أ. الخطأ في الالتزام بتحقيق نتيجة :
وفي هذه الحالة يقوم الخطأ في ركنه المادي بمجرد عدم تحقق النتيجة أو بعدم تحققها على الوجه المتفق عليه بما فيه التأخر في تحقيقها. وبمجرد عدم تحقق النتيجة، افترض القانون وجود قرينة بأن سبب عدم تحققها يعود إلى فعل المدين، لذا يلزم بأداء التعويض المتفق عليه، وليس على الدائن أن يثبت أن المدين قد ارتكب إهمالا معينا.
وهذه القرينة هي قرينة بسيطة كما بينته المادة 176 من التقنين المدني، بمعنى أنه يمكن للمدين إثبات عكسها بإقامة الدليل على أن سببا أجنبيا لابد له فيه، جعل تحقق النتيجة مستحيلا.
ولا يكفي لكي يتخلص المدين من المسؤولية أن يثبت أنه لم يهمل، وأنه قد بذل عناية الشخص العادي لتحقيق النتيجة المقصودة.
ولابد من التوضيح أن السبب الأجنبي المتسبب في استحالة التنفيذ لا يؤدي إلى نفي علاقة السبيبة بين هته النتيجة والخطأ، وبالتالي لا ينفي عن الإخلال بالالتزام المقرر في العقد، الناتج عنه عدم التنفيذ، وصف الخطأ، وإنما ينفي نسبة الخطأ إلى المدين بالالتزام.

ب. الخطأ في الالتزام ببذل عناية :
ونفرق هنا بين حالتين : حالة ما إذا لم يقم المدين أصلا بالعمل المطلوب فهنا نطبق المادة 176 من التقنين المدني بأن يفترض أن عدم القيام بالالتزام يعود لخطأ المدين. ويترتب على ذلك إلزام هذا الأخير بالتعويض، ما لم يثبت، وجود سبب لا بد له فيه جعل القيام بالالتزام مستحيلا.
أما الحالة الثانية فتتمثل في أن المدين قام بالعمل المطلوب منه، ولكن ثار نزاع بين طرفي العقد حول مدى بذل المدين العناية اللازمة في القيام بذلك العمل.
فهنا يكون المدين قد ارتكب إهمالا جعله ينحرف عن السلوك الواجب للشخص العادي ويقع على الدائن بالالتزام ببذل عناية إثبات إهمال المدين، وباعتبار أن الإهمال واقعة مادية فإنه يتم إثباتها بكافة الطرق.
فإذا أثبت الدائن مثلا واقعة تدل على الإهمال دلالة كافية لترجيح وقوعه ولو لم تكن قاطعة، قامت قرينة قضائية على عدم تنفيذ الالتزام، وينتقل عبء الإثبات إلى المدين، بأن يثبت أنه قد بذل العناية اللازمة.
ولا سبيل لدى المدين لنفي الخطأ عن نفسه بعد ثبوت الواقعة التي ترجح إهماله إلا أن يبين الظروف التي تمت فيها الواقعة والتي من شأنها أن تنفي عنها وصف الإهمال، بأن يثبت أن الشخص العادي لو كان في مثل ظروفه لتحققت نفس النتيجة. من ذلك قيام الطبيب بتشخيص المرض تشخيصا غير صحيح، فهنا يكفيه لنفي الخطأ عنه أن يثبت أن هذا الغلط في التشخيص من الأغلاط التي يقع فيها الأطباء ([32]).
ونشير في الأخير إلى أنه إذا انتفى الخطأ في جانب المدين، انتفت مسئوليته، ولا يكون التعويض الاتفاقي المسبق مستحقا.


2- شرط الضرر : ([33])
الضرر ركن أساسي لقيام المسؤولية، وهو شرط أساسي لاستحقاق الشرط الجزائي، فقد نصت المادة 184 من التقنين المدني " لا يكون التعويض المحدد في الاتفاق مستحقا ، إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر".
فإذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن ، لم يكن التعويض الاتفاقي مستحقا، ذلك أن هناك حالات يتحقق فيها خطأ المدين دون أن يصاب الدائن من جرائه بضرر ما.
وعادة ما تقوم هذه الحالة في الأوضاع التي يقتصر فيها خطأ المدين على مجرد التأخير في تنفيذ الالتزام ، كما لو تأخر البائع أو المسؤول عن نقل البضاعة في تسليمها، ولا يتبين أن هذا التأخير قد أضر بأي وجه بالدائن، قلا تقوم المسؤولية ، ولا يستحق التعويض الاتفاقي المسبق.
والأصل طبقا للقواعد العامة أن عبء إثبات الضرر يقع على عاتق الدائن، لأنه يقع على المدعي إثبات ما يدعيه، ولا يمكن الخروج عن هذه القاعدة بنقل عبء الإثبات للمدين إلا إذا ورد نص قانوني خاص بذلك، وهو ما فعله المشرع من خلال نص المادة 184 من التقنين المدني.
فيكفي الدائن إثبات إخلال المدين بالتزامه لكي يفترض الضرر، ويستحق الشرط الجزائي إلا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر، فانتقل بفعل الشرط الجزائي عبء الإثبات إلى المدين.
ولا مانع من أن نشير إلى أن القانون المدني الجزائري ([34]) يختلف في تنظيمه للشرط الجزائي عن القانون المدني الفرنسي، فالقانون الفرنسي في تنظيمه له احترم إرادة الطرفين احتراما كاملا.
إذ أن المادة 1152 ([35]) من التقنين المدني الفرنسي تنص على أنه إذا اشترط في الاتفاق أن الطرف الذي يخل بالتزامه يلتزم بدفع مبلغ معين على سبيل التعويض فلا يسمح للطرف الآخر باقتضاء مبلغ أقل أو أكثر.
ففي كل حالة عدا حالات الغش أو الخطأ الجسيم أو التنفيذ الجزئي، لا يكون للقاضي تعديل قيمة الشرط الجزائي بالزيادة أو بالنقصان.
ويستحق الدائن الشرط الجزائي بمجرد إثباته عدم التنفيذ ولو لم يصبه أي ضرر، ولا يمكن للمدين الدفع بعدم إصابة الدائن بأي ضرر من جراء عدم تنفيذ الالتزام ولو أثبته.
فإذا كانت قيمة الشرط الجزائي تجاوز مدى الضرر وأراد الدائن التمسك به فإنه لا يكلف إلا باثبات عدم التنفيذ ووجود الشرط الجزائي ، فيقضى له به.
أما إذا كانت قيمة الشرط الجزائي تقل عن مدى الضرر، وأراد المدين التمسك به لتخفيف مسئوليته، فإنه يكلف بإثبات الشرط الجزائي ، فلا يستحق الدائن سوى هذا الشرط ولا يعوض بأكثر من ذلك.([36])
ومن هنا نرى أن المشرع الجزائري باتخاذه هذا الموقف مخالفا المشرع الفرنسي ربط الشرط الجزائي بفكرة التعويض بصورة كاملة في المواد من 183 إلى 185 من التقنين المدني التي تقوم على استحقاق المتضرر لتعويض يناسب الضرر الذي لحقه.

3- علاقة السبيبة بين الخطأ والضرر :
فلا يستحق الشرط الجزائي إلا إذا قامت علاقة السبيبة بين الخطأ والضرر بأن يكون الخطأ هو السبب في الضرر.
ومتى انتفت هذه العلاقة بثبوت السبب الأجنبي أو بأن كان الضرر غير مباشر أو كان في المسؤولية العقدية مباشرا ولكنه غير متوقع فعندئذ لا تتحقق المسؤولية ولا يستحق الشرط الجزائي.
والسبب الأجنبي الذي يقطع رابطة السبيبة بين الخطأ والضرر ، يعرف فقها بأنه كل أمر غير منسوب إلى المدين أدى إلى استحالة تنفيذ الالتزام أو إلى إلحاق الضرر بالدائن، وهو إما أن يكون حدثا لا ينسب لأي شخص وهو ما يعرف بالقوة القاهرة، وإما أن يكون فعلا صادرا من الدائن ذاته أو فعل شخص من الغير.
ويتضح من هذا أنه يشترط في السبب الأجنبي النافي لمسؤولية المدين شرطان :
- ألا يكون للمدين يد في تحققه، بألا يكون قد ساهم في حدوثه، وفي حالة العكس تقوم مسئوليته بالتعويض بحسب نسبة الخطأ الذي قام في جانبه.
- أن يكون قد جعل التنفيذ على الوجه المتفق عليه مستحيلا، ولا يكفي أن يصبح التنفيذ مرهقا.([37])
والمعيار هنا ليس قدرة المدين ذاته وإنما التقدير وفقا لمعيار موضوعي هو معيار الرجل العادي في مثل ظروف المدين.
الفرع الثانـي : شـرط الإعذار



جعل المشرع الإعذار شرطا لاستحقاق الشرط الجزائي من خلال نصه في المادة 179 من التقنين المدني على انه " لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين ما لم يوجد نص مخالف لذلك" ويكون الإعذار شرط لاستحقاق الشرط الجزائي، في جميع الأحوال التي يجب فيها إعذار المدين، ومادام التعويض لا يستحق إلا بالإعذار في الأحوال التي يجب فيها فإنه إذا لم يقم الدائن بإعذار المدين في هذه الأحوال، لم يكن التعويض الاتفاقي مستحقا.([38])

لكنه تجدر الإشارة بأنه في حالة ما إذا لم يقم الدائن بإعذار المدين فإن رفع دعوى المطالبة بالشرط الجزائي تعد في حد ذاتها بمثابة إعذار – كما سنبينه لاحقا- لذا فلا يترتب على عدم الإعذار دفع شكلي لا دفع بعدم القبول. ([39]) وهو لا يعد قيدا على رفع الدعوى كما يذهب إليه القضاء في بعض أحكامه.([40])

فإذا تمسك المدين أمام القاضي بعدم إعذار من طرف الدائن ، كان للقاضي منحه أجل للوفاء، متى كان عرضه للوفاء حقيقيا، وتبين للقاضي جديته. ولا يحق للمدين أكثر من ذلك.

فالإعذار إذا لا يترتب على عدم استفائه، بطلان الإجراءات أو عدم قبول الدعوى. وقد ذهبت المحكمة العليا في قرار لها بخلاف هذا الرأي إذ جاء في حيثيات قرار صادر بتاريخ 25/7/02 ما يلي " بمراجعة أوراق الملف ... تبين أن الطاعن كان قد أثار أمام مجلس قضاء الجزائر دفعا يتمثل في أن المطعون ضدها لم تقم بتوجيه إعذار مسبق قبل مقاضاته طبقا للمادة 180 من القانون المدني. لكن هذه الجهة القضائية لم تقم بتسجيل هذا الدفع إذ اكتفت بمجرد التصريح بخصوصه بما يلي : " حيث أن التمسك بالمادة 180 من القانون المدني ليس من شأنه أن يجعل الدعوى غير مقبولة شكلا."

وفي هذه الحالة يستوجب إبطال القرار". ([41])

ذلك أن الإعذار إذا لم يقم به الدائن وقام برفع الدعوى مباشرة ، ثم سارع المدين بالوفاء، فإن الشيء الذي يترتب على ذلك هو تحميل الدائن المدعي بالمصاريف القضائية.

وتأييد هذا الرأي عندي أن الغرض من وراء الاعذار هو وضع المدين في حالة المتأخر عن تنفيذ التزامه، ذلك أن مجرد حلول أجل الالتزام لا يعني جعل المدين في هذا الوضع القانوني، لأنه قد يحل أجل الالتزام ومع ذلك يسكت الدائن عن المطالبة بالتنفيذ فتنشأ قرينة على تسامحه مع المدين. وأنه لم يصبه ضرر من تأخر المدين في تنفيذ التزامه ، وأنه رضي ضمنا بمد أجل تنفيذ الالتزام.

أما إذا أراد الدائن أن ينفذ التزامه الذي حل أجله ، فعليه إشعار المدين بذلك عن طريق إعذاره بالطرق التي رسمها القانون، فيقطع بذلك مظنة التسامح، ويصبح المدين ملزما بتتنفيذ التزامه فورا، وإلا ترتب عن تأخيره في التنفيذ التعويض.([42])

ويتم الاعذار طبقا للمادة 180 من التقنين المدني بأحد الطرق التالية :

- بالإنذار

- بما يقوم مقام الإنذار

- ويجوز أن يكون الإعذار مترتبا على اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذرا بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أي إجراء آخر.

أ‌. الإنذار : ويتم بعقد غير قضائي يحرره المحضر يبين فيه رغبة الدائن في أن يطلب من المدين تنفيذ التزامه.

وبتصوري فإن المحضر في إعلان الإنذار يتبع نص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية المتعلقة بتبليغ التكليف بالحضور، فيسلم صورة من الإنذار إلى المدين بالالتزام شخصيا أو إلى أحد أقاربه أو تابعيه أو البوابين أو أي شخص آخر يقيم بالمنزل نفسه.

وبينت المادة 180 السابقة الذكر أنه يجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في هذا القانون.

ومع أنه لا يوجد نص في التقنين المدني يبين كيفية توجيه الإعذار عن طريق البريد إلا أنني أتصور أن يتم ذلك عن طريق رسالة موصى عليها مع الإشعار بالاستلام، كما وضحته المادة 471 وما يليها من التقنين المدني بالنسبة للإخطار المتعلق برفع الثمن في عقد الإيجار.

- وقد يتم الإعذار بما يقوم مقام الإنذار ولم تبين المادة ما هو المقصود بما يقوم مقام الإنذار وتركت الأمر للفقه والقضاء، فاعتبر الفقه أنه يمكن للدائن إنذار المدين في نفس عريضة الدعوى التي يرفعها للمطالبة بتنفيذ الالتزام أو التعويض عنه فتكون هذه العريضة إنذارا ومطالبة قضائية في وقت واحد، ولكن إذا بادر المدين في هذه الحالة إلى التنفيذ بمجرد تبليغه بعريضة الدعوى تحمل الدائن مصروفات الدعوى.

- وقد أورد المشرع من خلال المادتين 180، 181 قانون مدني حالات لا ضرورة فيها للإعذار فيعتبر فيها المدين مسؤولا عن التعويض إذا لم يقم بتنفيذ التزامه بمجرد حلول الدين وهي :

1. ما نصت عليه المادة 180 مدني على أنه يتفق طرفا الالتزام على أن يكون المدين معذرا بمجرد حلول أجل الالتزام دون حاجة إلى أي إجراء.

2. ما نصت عليه المادة 181 مدني : إذا تعذر تنفيذ الالتزام وأصبح غير مجد بفعل المدين.

وقد أورد المشرع هذه الحالة لأنها تتفق وطبيعة الأشياء لأن الغرض من تقرير الإعذار هو دعوة المدين إلى تنفيذ التزامه، ومتى أصبح تنفيذ الالتزام متعذرا أو أصبح غير مجديا فما الفائدة من توجيه الإعذار ؟ فيرفع الدائن دعوى التعويض ويستحقه دون الحاجة إلى إعذار ولابد أن نوضح أن اشتراط المشرع أن يكون تعذر تنفيذ الالتزام أو أن يصبح غير مجد بفعل المدين له ما يبرره على اعتبار أنه متى نشأ تعذر التنفيذ بغير فعل المدين أي لسبب أجنبي قطع رابطة السبيبة بين الخطأ والنتيجة وهي عدم تنفيذ الالتزام فينقضي هذا الأخير من أصله ولا يستحق التعويض وذلك على النحو الذي سبق بيانه.

- ولهذه الحالة صور مختلفة منها أن يكون تنفيذ الالتزام غير مجد إلا إذا تم في وقت معين، فإذا فات هذا الوقت أصبح هذا التنفيذ غير ممكنا أو لا يحقق الفائدة المرجوة منه، ومثالها أن يلتزم محام برفع استئناف في حكم وينتهي ميعاد الاستئناف قبل أن يرفعه.

- إذا كان محل الالتزام تعويضا ترتب عن عمل مضر.

- إذا صرح المدين كتابة أنه لا ينوي تنفيذ التزامه فالمدين هنا بين مسبقا أنه لا يريد القيام بالتزامه متى حل أجله فلا جدوى من توجيه الاعذار مادام أن هذا الأخير قد قرّر كما أسلفنا لأجل حمل المدين على تنفيذ التزامه.

- ولقد اشترط القانون أن يتم التصريح كتابة، فهل هذا يعني أنه لو تم التصريح أمام الشهود فلا يؤخذ به وبالتالي وجب الإعذار؟ بمعنى ما هي الحكمة من اشتراط المشرع للكتابة ؟

أرى أن المشرع اشترط الكتابة هنا للإثبات فقط لذا فلو أقر المدين بأنه صرح بنيته في عدم تنفيذ الالتزام لأغنى هذا الإقرار عن الكتابة ولم تعد الحاجة إلى الاعذار.

- إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق أو شيء تسلمه دون حق وهو عالم بذلك، فهنا يعد المدين سيئ النية باعتبار علمه أن الشيء مسروق أو أن ليس له حق فيه، وبالتالي وجب عليه بمقتضى القانون رد الشيء إلى الدائن دون أن يقع على هذا الأخير عبء إعذاره.

- يترتب على تأخر المدين في الوفاء بالتزامه بعد إعذاره أن يصبح مسؤولا عن دفع الشرط الجزائي الناتج عن التأخير في تنفيذ الالتزام وهذا من وقت الاعذار متى ثبت وجود ضرر أصاب الدائن وهذا بمقتضى المادتين 179 و 184/01 من القانون المدني.



المطلب الثالث : سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي



لقد وضحنا طبقا لما سبق أنه يجوز الاتفاق مقدما على مقدار التعويض في حالة استحالة تنفيذ الالتزام عينا أو التأخر في تنفيذه، ويكون هذا التقدير للتعويض ملزما للقاضي يتعين عليه الحكم به دون زيادة أو نقصان متى تحقق من توفر شروط الشرط الجزائي، وكان هناك تناسب بين التعويض المتفق عليه والضرر الواقع.([43])

وسلطة القاضي في هذا الشأن مطلقة لا معقب عليها من محكمة القانون.([44])

غير أنه استثناءا من هذا الأصل أجاز المشرع في حالات معينة للقاضي تعديل الشرط الجزائي بالتخفيض أو بالزيادة، وهذه السلطة الممنوحة للقاضي من النظام العام، بمعنى أنه لا يجوز للأطراف الاتفاق على حرمانه منها باتفاق خاص، فكل اتفاق بهذا الشأن يقع باطلا، إذ تنص المادة 184 من التقنين المدني على أنه " لا يكون التعويض المحدد في الاتفاق مستحقا إذا اثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.

ويجوز للقاضي أن يخفض مبلغ التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مفرطا، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.

ويكون باطلا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين أعلاه ".

ويتضح لنا من نص هذه المادة أن سلطة القاضي تصل إلى حد الحكم بعدم استحقاق الشرط الجزائي، متى ثبت له عدم وجود الضرر، وهي حالة سبق لنا الإشارة إليها.

كما أن له تخفيض مبلغ التعويض الاتفاقي أو الزيادة فيه طبقا للمادتين 184/2 و185 من التقنين المدني، وذلك وفق شروط معينة حددها المشرع.

لذا فقد قسمت هذا المطلب إلى فرعين : فرع أول خصصته لسلطة القاضي في تخفيض الشرط الجزائي، وفرع ثان جعلته لسلطة القاضي في زيادة الشرط الجزائي.



الفرع الأول : سلطة القاضي في تخفيض الشرط الجزائي :

تنص المادة 184 فقرة 2 من التقنين المدني على أنه " يجوز للقاضي أن يخفض مبلغ التعويض إذا اثبت المدين أن التقدير كان مفرطا أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه ".

وتنص المادة 187 من نفس التقنين " إذا تسبب الدائن بسوء نيته وهو يطالب بحقه في إطالة أمد النزاع ، فللقاضي أن يخفض مبلغ التعويض المحدد في الاتفاق أو لا يقضي به إطلاقا عن المدة التي طال فيها النزاع دون مبرر".

فيتبين لنا أنه يجوز للقاضي أن يخفض الشرط الجزائي في ثلاث حالات هي :

- إذا اثبت المدين أن تقدير الشرط الجزائي كان مفرطا.

- إذا كان الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.

- إذا تسبب الدائن بسوء نيته في إطالة أمد النزاع.



1- حالة ما إذا كان تقدير الشرط الجزائي مفرطا :

وتستبين هذه الوضعية في حالة ما إذا لم يقم المدين أصلا بتنفيذ التزامه أو تأخر في تنفيذه مدة جعلت الشرط الجزائي مستحقا.

وتبرير منح القاضي سلطة تخفيض الشرط الجزائي المتفق عليه بين الدائن والمدين أن الدائن قصد تقدير الشرط الجزائي تقديرا مفرطا، وجعله شرطا تهديديا لحمل المدين على الوفاء بالتزامه، فيكون بمثابة عقوبة فرضها الدائن على المدين، ومن ثم يكون هذا الشرط باطلا.

ويتدخل القاضي بتقدير التعويض وفقا للقواعد العامة دون رقابة عليه من المحكمة العليا.

كما أن الشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض الاتفاقي بمعنى أنه ليس مصدره ، وإنما هو مجرد تقدير مسبق وفقا لما ظهر لطرفي الالتزام من اعتبارات وظروف.

فإذا اتضح بعد ذلك أن الضرر الذي وقع لم يكن بالقدر الذي توقعه الطرفان ، وأن تقديرهما كان مبالغا فيه ، فالأمر يتعلق حينئذ إما بغلط في التقدير وقع فيه الطرفان أو إكراه وقع على المدين، فقبل شرطا يعلم مقدما أنه مجحف، إما تحت تأثير ضغط الدائن، وإما عن اندفاع وتسرع ، ليقينه بأنه سيقوم حتما بتنفيذ التزامه، فلن يتعرض لتوقيع الشرط الجزائي عليه، ففي جميع الأحوال وجب تخفيض الشرط الجزائي إلى الحد الذي يتناسب والضرر.([45])

وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من عدم الحكم باستحقاق الشرط الجزائي لعدم تحقق الضرر أو تخفيضه لكونه غير متناسب مع الضرر، فإن الجدوى منه تبقى قائمة، وذلك من حيث نقل عبء الإثبات من المدين إلى الدائن على النحو التالي :

أ‌. إن وجود الشرط الجزائي يجعل الضرر مفترضا بحيث لا يكلف الدائن بإثباته وإنما يقع على المدين إثبات أن الدائن لم يلحقه ضرر إذا أدعى ذلك.

ب‌. وجود الشرط الجزائي قرينة على أن التعويض المتفق عليه مساو للضرر،فإذا ادعى المدين أنه مفرط كان عليه عبء اثبات ذلك.

ج. قد يتجاوز التعويض الاتفاقي مدى الضرر، ومع ذلك فهو يستحق للدائن دون تخفيض، متى كانت قيمة الشرط الجزائي تجاوز مدى الضرر تجاوزا يسيرا، فعلى المدين أن يثبت أن التقدير كان مبالغا فيه لدرجة كبيرة وحتى إذا أثبت المدين أن التقدير كان مفرطا، فإن التخفيض يكون إلى حد يتناسب مع الضرر ولا يتحتم أن يكون مساويا له ذلك أن تقدير التعويض الذي يجبر الضرر مسألة تقديرية بحتة سواء تعلقت بإرادة الأطراف أو بعمل القاضي، وهي ليست مسألة حسابية بسيطة يمكن أن يصل فيها العديد من الناس إلى نتيجة واحدة تفيد مساواتها للضرر الواقع فعلا.([46])




2- حالة تنفيذ الالتزام الأصلي في جزء منه :

إذا ما قام المدين بتنفيذ جزء من التزامه ، فمن العدالة ألا يلزم بكل المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي.

ويكون القاضي قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامه.

ويتم التخفيض على أساس المبلغ المقدر في الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ من الالتزام بمعنى أن القاضي ينقص المبلغ المتفق عليه إلى الحد الذي يتناسب والجزء الباقي دون تنفيذ من الالتزام الأصلي. ويقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي على المدين.([47]) ونشير إلى أنه إذا نفذ المدين التزامه تنفيذا معيبا لا يحقق الغاية المرجوة منه ، لا يمكن للقاضي اعتباره تنفيذا للالتزام في جزء منه ، فيستحق الشرط الجزائي كله، احتراما لاتفاق الطرفين.

أما إذا كان هذا العيب غير جسيم وكان الشرط الجزائي المقدر كتعويض عنه مفرطا في التقدير ، جاز للقاضي اعتباره تنفيذا للالتزام في جزء منه، فيستحق الشرط الجزائي كله احتراما لإتفاق الطرفين.

أما إذا كان هذا العيب غير جسيم ، وكان الشرط الجزائي المقدر كتعويض عنه مفرطا في التقدير، جاز للقاضي تخفيضه إلى الحد المناسب وفقا لما سبق بيانه.([48])



3. حالة تسبب الدائن بسوء نية في إطالة أمد النزاع :

وتقوم هذه الحالة على مبدأ التعسف في استعمال الحق([49]). ذلك أن الدائن متى تسب بسوء نية في إطالة أمد النزاع ، فهو يتعسف في استعمال الإجراءات المقررة له قانونا، فبدل أن يقصد أقصر الطرق للوصول إلى حقه يعمد إلى إطالة أمد النزاع حتى يستغرق الشرط الجزائي، بأن يجعل الضرر متناسبا معه.

لذا فقد أورد المشرع هذا النص منعا لتعسف المدين في إطالة النزاع بدون مبرر، ونحن نرى أن هذه الحالة تتحقق إذا ما كان الشرط الجزائي مقررا كتعويض عن التأخر في تنفيذ الالتزام ، ولا تشمل بالتالي حالة ما إذا اتفق عليه طرفا العقد كبدل عن استحالة تنفيذ الالتزام.

ذلك أنه في هذه الحالة الأخيرة يلزم القاضي بالحكم باستحقاق الشرط الجزائي كاملا دون تخفيض، متى تبين له استحالة تنفيذ الالتزام عينا متى حل أجله، وتحقق الضرر المتوقع ، ولا يكون لإطالة أمد النزاع دخل في تخفيض الشرط الجزائي لأنه لا يكون أصلا للدائن في هاته الحالة مصلحة في إطالة أمد النزاع.

ويشترط في إطالة أمد النزاع المخفض للشرط الجزائي أن يتم بسوء نية من الدائن بأن يتعمد ذلك ويقع على المدين عبء إثبات أن إطالة أمد النزاع هي بلا مبرر وكذا سوء نية الدائن.

ومتى تبين ذلك للقاضي قام بتخفيض التعويض الاتفاقي إلى حد معقول عن المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر. ونكون هنا أمام حالة خطأ مشترك بين المدين والدائن، فالمدين تأخر في الوفاء بالتزامه، والدائن أطال هذا التأخر بإطالة أمد النزاع.

ويمكن للقاضي ألا يحكم بالشرط الجزائي أصلا متى وصل خطأ الدائن جراء سوء نيته إلى حد استغراق خطأ المدين.

وتجدر الإشارة إلى أنه بالنسبة للتشريعات المقارنة فقد أوردت هذا النص بمناسبة تعرضها لسريان الفوائد التأخيرية القانونية منها، أو الاتفاقية جراء التأخر في تنفيذ التزام محله مبلغ من النقود، ولم ترد بخصوص التعويض الاتفاقي المحدد مسبقا، كما فعل المشرع الجزائري. ([50])



الفرع الثاني : سلطة القاضـي في زيادة الشرط الجزائي:

جاء في نص المادة 185 من التقنين المدني ما يلي : " إذا جاوز الضرر قيمة التعويض المحدد في الاتفاق فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما ".

فيتضح من هذا النص أن الضرر إذا زاد عن التعويض المقدر في الشرط الجزائي، وأثبت الدائن أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما، حكم القاضي بالزيادة في التعويض حتى يصبح معادلا للضرر الذي وقع، ولا يمنعه من ذلك أن التعويض مقدر في الشرط الجزائي ، لأن الدائن في اتفاقه مع المدين على تقدير التعويض لم يدخل في حسابه غش المدين أو خطئه الجسيم.([51])

وهنا تبرز وظيفة الردع للمسؤولية المدنية إلى جانب وظيفة الإصلاح. ويتمثل الردع في التفرقة بين مدين وآخر حسب جسامة الخطأ الصادر منه ، وفي الارتفاع بالتعويض العادل أو الإصلاح إلى التعويض الكامل الذي يحقق وظيفة الردع وجبر الضرر. ([52])

ولكن إذا ما قل الشرط الجزائي عن مدى الضرر وبالتالي عن التعويض الكامل، لم يجز المشرع للدائن للمطالبة بزيادة التعويض الاتفاقي إلى مستوى التعويض الكامل، طالما أن خطأ المدين كان يسيرا ، ولم يصل إلى درجة الغش أو الخطأ الجسيم.

ويمكن تفسير هذا بأن الشرط الجزائي يكفي لجبر الضرر ولا يشترط أن يكون كاملا.

إلا أنه حتى في حالة ما إذا كان الضرر الحقيقي يجاوز بكثير قيمة الشرط الجزائي، فلا يحق للدائن المطالبة برفعه، وهنا لا يمكن تفسير عدم رفع التعويض الاتفاقي إلى التعويض الكامل بأن إرادة الدائن قد اتجهت مسبقا إلى قبول تعويض محدد، لأن مدى الضرر في هذه الحالة يكون قد تجاوز ما ارتضاه الدائن.

ويفسر الدكتور محمد ابراهيم دسوقي مسلك المشرع هذا بأن العدالة في التعويض توجب الاعتداد بهذا التعويض الاتفاقي بالنظر إلى ظروف التعاقد ومدى التزامات كل من الطرفين قبل الآخر، قد تحددت على ضوء قيمة الشرط الجزائي وبالتالي يكون التعويض الكامل غير عادل بالنسبة إلى هذه الظروف.([53])











الفصل الثاني.
حرية القاضي في تقدير التعويض المترتب عن المسؤولية المدنية


بعد أن بينا في الفصل الأول من هذه الدراسة الاستثناءات التي ترد على سلطة القاضي في تقدير التعويض، سنتطرق في هذا الفصل إلى حرية القاضي في تقدير التعويض أو ما يعرف بالتقدير القضائي للتعويض.
فمتى لم يحدد القانون أحكاما لحساب التعويض أو لم تذهب إرادة المتعاقدين إلى تقديره، كان المجال مفتوحا أمام القاضي ليقدره.
وينصب تقدير التعويض على الضرر اللاحق بالمتضرر، لذا أرتأيت تخصيص المبحث الأول إلى تحديد الضرر المستحق للتعويض.
أما المبحث الثاني فسنخصصه إلى سلطة القاضي في تقدير التعويض ورقابة المحكمة العليا عليه.

المبحث الأول. مناط تقدير التعويض – الضرر المستحق للتعويض:
إن كان قد سبق لنا التعرض إلى الضرر في المبحث الثاني من الفصل الأول باعتباره شرطا لاستحقاق التعويض الإتفاقي فضلا على أنه ركن من أركان المسؤولية المدنية، إذا انتفى انتفت بدورها، فإننا رأينا أنه من الواجب إعادة التطرق له بشيء من التفصيل، على اعتبار أن الضرر هو بذاته مناط تقدير التعويض ومحله، لذا سنبين في مطلب أول أنواعه، والمطلب الثاني سنخصصه إلى الشروط التي يجب أن يتمتع بها حتى يكون مستحقا للتعويض، أما المطلب الثالث فخصصناه إلى الوقت الذي يتم تقويمه فيه.

المطلب الأول. أنواع الضرر المستحق للتعويض:
يكون الضرر إما ماديا أو معنويا، هذا وإن كان الضرر المادي لا يثير إشكالا في وجوب التعويض عنه بموجب النصوص الصريحة التي أوردها المشرع في التقنين المدني الجزائري، فالحال ليس كذلك بالنسبة للضرر المعنوي، لذا فقد خصصنا الفرع الأول للتعريف بالضرر المادي والفرع الثاني للتعريف بالضرر المعنوي من جهة ومن جهة أخرى إلى توضيح موقف المشرع الجزائري والقضاء الجزائري من التعويض عنه، خاصة بعدما أقرت معظم التشريعات ذلك([54])، وتلك التي لم تنص على التعويض عنه استقر القضاء لديها على ذلك([55]).

الفرع الأول. الضرر المادي:
وهو ما يصيب الشخص من ضرر يتمثل في المساس بجسده أو ماله أو بانتقاص حقوقه المالية أو بتفويت مصلحة مشروعة له، تقدر فائدتها ماليا([56]).
فيتضح من هذا التعريف بأن للضرر المادي وجهان أولهما يصيب الإنسان في سلامة جسده وحياته، ويعرف بالضرر الجسدي.
والثاني يمس بحقوق أو مصالح مالية للشخص فيكون له انعكاس على ذمته المالية، فالضرر الجسدي هو الذي يمس حياة الإنسان أو سلامته، ويصيبه بضرر، قد يتمثل في جرح في الجسد، أو إحداث عاهة، أو إزهاق روح، أو التسبب بعجز دائم أو جزئي عن العمل([57]).
وقد يصحب هذا الضرر الجسدي انتقاص في الذمة المالية للضحية، إن استوجب علاجها نفقات أو حرمت المصاب من القدرة على العمل.
أما الضرر الذي يمس بحقوق أو مصالح مالية فهو الذي يصيب الشخص في كيانه المالي فيمس بمصالح له ذات صفة مالية أو اقتصادية كخسارة تحصل أو مصاريف تنفق، أو تفويت فرصة، أو ضياع كسب([58]).

الفرع الثاني. الضرر المعنوي:
هذا النوع من الضرر يلحق بما يسمى الجانب الاجتماعي للذمة المعنوية أو الأدبية، فقد يكون مقترنا بأضرار مادية، فيلحق العاطفة أو الشعور بالآلام التي يحدثها في النفس والأحزان، وقد يستقل عن الضرر المادي، فيلحق أمورا أخرى غير ذات طبيعة مالية كالعقيدة الدينية أو الأفكار الخلقية([59]).
وقد عرفه الدكتور السنهوري بأنه الضرر الذي لا يصيب الشخص في ماله، وإنما يصيب مصلحة غير مالية([60]).
وللضرر المعنوي عدة صور، فقد يصيب الجسم، إذ أن الجروح التي تصيب الوجه والألم الذي ينجم عن ذلك، وما قد يعقب من تشويه في الوجه أو في الأعضاء، كل هذا يشكل ضررا ماديا ومعنويا، إذا نتج عنه إنفاق المال في العلاج أو نقص في القدرة على الكسب المادي، ويكون ضررا معنويا فحسب إذا لم ينتج عنه ذلك([61]).
كما قد يتصل بشخصية المرء وبحقوقه العائلية، وما يؤذي الشعور والأحاسيس، وبما يمس العرض أو السمعة والاعتبار من قذف أو تشهير، أو ما يصيب العاطفة من حزن أو حرمان([62]).
والأضرار المادية الناتجة عن الضرر المعنوي أو المختلطة به، تقبل التقييم ولا تثير صعوبة بذاتها، ولكن الضرر المعنوي كعنصر مستقل من عناصر التعويض، وباعتبار أنه لا تترتب عليه خسارة مالية، فإن البعض عارض التعويض عنه لصعوبة تقويمه بالمال، مما أثار جدلا كبيرا حول مبدأ التعويض عنه.
ولقد اختلفت التشريعات في مدى الأخذ بالتعويض عن الضرر المعنوي، فقد نص القانون المدني الفرنسي على وجوب التعويض عن كل فعل يسبب الضرر، وهذا من خلال المادة 1382.
وكما هو ملاحظ فقد جاء هذا النص مطلقا، لم يحدد نوع الضرر القابل للتعويض، مما جعل الفقه الفرنسي ينقسم إلى قسمين في تفسيره، فذهب الفريق الأول([63]) إلى أن التعويض عن الضرر المعنوي غير ممكن لأنه غير مادي، فيستحيل تقويمه نقدا، وأنه حتى لو منحنا المضرور ضررا معنويا مبلغا نقديا كتعويض عن الألم أو الحزن، فإن ذلك لا يقضي على الألم والحزن.
وذهب الفريق الثاني إلى التمييز بين ضرر معنوي يحوز تعويضه، وضرر معنوي لا يحوز فيه ذلك، واختلفوا في وضع حد لهذا التمييز، فمنهم من يقصر التعويض على الضرر المعنوي الذي يؤدي إلى ضرر مادي، ولا يعوض إلا هذا الضرر المادي وحده، ومنهم من يحصر التعويض على الضرر المعنوي الذي يصيب الشرف والاعتبار، لأنه عادة ما يجر إلى ضرر مادي، ولا يجيزه في الضرر المعنوي الذي يصيب العاطفة لأنه ضرر معنوي لا يؤدي إلى ضرر مادي([64]).
ومع ذلك فإن الفقه الفرنسي الحديث يذهب إلى أخذ نص المادة 1382 على إطلاقه وبالتالي إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي، يضاف إلى ذلك أن المشرع الفرنسي أجاز حالات خاصة للتعويض لمجرد الضرر المعنوي([65]).
ويردون على النظرية الرافضة للتعويض عن الضرر المعنوي بأن الغرض من التعويض عن الضرر المعنوي، لا يقصد به محوه وإزالته، وإنما أن يستحدث المضرور لنفسه بديلا عما أصابه من ضرر، ولو كان غير ملائم فهو خير من لا شيء، ولا يصح أن يعوق هذا، التذرع بتعذر تقدير التعويض المعنوي، ذلك أن القاضي قد يستعصى عليه في بعض الأحيان حتى تقدير التعويض المادي([66]).
ونفس الخلاف عرفه القضاء الفرنسي، إلا أن أغلبه سار إلى تعويض الضرر المعنوي واستقر على ذلك، وإن بقي الاختلاف في تعيين من يحق له المطالبة بالتعويض في هذه الحالة([67]).
أما في مصر، فقد استقر الفقه والقضاء على جواز التعويض عن الضرر المعنوي، لأن المشرع المصري حسم الخلاف بنصه في المادة 222 من التقنين المدني "يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضا ..." ([68]).
وكان غرضنا من الإشارة إلى كل من التشريعين الفرنسي والمصري، أن المشرع الجزائري، قد أخذ مواد التقنين المدني عنهما، وأن القضاء الجزائري يستأنس ويستنير باجتهاد القضاء الفرنسي في هذا الصدد.
فلقد جاءت المادة 124 من التقنين المدني الجزائري – المقابلة لنص المادة 1382 من التقنين المدني الفرنسي – عامة ومطلقة لا تميز بين الضرر المادي والضرر المعنوي.
فذهب رأي في الفقه إلى أن عدم وجود نص على التعويض عن الضرر المعنوي، في التقنين المدني، لا يسوغ أن يستنتج منه انتقاء التعويض عن هذا الضرر، إذ أن الأصل في الأشياء الإباحة، كذلك فإن المبدأ العام للتفسير القانوني يقضي بألا نميز بين الضرر المادي والضرر المعنوي، طالما أن القانون لم يميز([69]).
لكن وبالرجوع إلى النصوص التي خصصها المشرع الجزائري للتعويض، نجد المادة 131 من التقنين المدني تنص "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 ...".
وبالرجوع لنص المادة 182 من نفس التقنين نجدها تنص "إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب" ويظهر من هذا أن المشرع الجزائري لا يأخذ إلا بالتعويض عن الضرر المادي، ذلك أن عنصري ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب هما عنصران للضرر المادي([70]).
كما أن المشرع الجزائري عند أخذه لمواد التقنين المدني عن كل من التشريعين الفرنسي والمصري، اتبع مسلك المشرع الفرنسي في عدم النص على الضرر المعنوي ولم يأخذ بتوجه المشرع المصري الذي خصص نصا خاصا للتعويض عن الضرر المعنوي.
فيتضح مما سبق أن نية المشرع الجزائري اتجهت إلى عدم التعويض عن الضرر المعنوي، وإلا بما يفسر سكوته عن النص عن ذلك صراحة.

لكن ما يؤخذ على المشرع الجزائري أنه أغفل النص على التعويض عن الضرر المعنوي في القانون المدني([71])، رغم أنه الشريعة العامة، ونص عليه في قوانين خاصة نذكر منها على سبيل المثال الأمر رقم 74-15 المتعلق بالزامية التأمين على السيارات، وبنظام التعويض عن الأضرار المعدل والمتمم بالقانون رقم 88-91 الذي جاء في نصوصه بالتعويض عن الضرر المعنوي بسبب الوفاة لذوي الحقوق، وكذا التعويض عن ضرر التألم ...
كما أنه ومن خلال المادة 3 الفقرة الرابعة من تقنين الإجراءات الجزائية نص على التعويض عن الضرر المعنوي حيث جاء فيها "... تقبل دعوى المسؤولية المدنية عن كافة أوجه الضرر سواء كانت مادية أو جثمانية أو أدبية، مادامت ناجمة عن الوقائع موضوع النزاع".
ويستفاد من هذا النص أن الدعوى المدنية لا تقبل إلا إذا كانت مرتبطة بالدعوى العمومية، سواء كان الضرر موضوع التعويض ماديا أو معنويا، ومتى كان ذلك كان له الحق في التعويض عن الضرر المعنوي.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو ما هو الحال لو أن المتضرر لم يطالب بالتعويض عن الأضرار اللاحقة به جراء الجريمة أمام القاضي الجزائي، وآثر رفع الدعوى أمام القاضي المدني، فهل يسقط حقه في المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي، بما أن القاضي المدني سيطبق في هذه الحالة قواعد القانون المدني ؟
إن الإجابة على هذا السؤال بالنظر إلى موقف المشرع الجزائري بعدم التعويض عن الضرر المعنوي هي: نعم.
لكن هذا يؤدي بنا إلى نتائج غير منطقية، ذلك أن القاعدة العامة في الاختصاص هي أن المحاكم المدنية هي المختصة بالفصل في الدعاوى المدنية، وأن اختصاص المحكمة الجزائية فيها استثناء لا يتأتى إلا إذا ارتبطت الدعوى المدنية بالدعوى العمومية.
لذا ففي اعتقادنا أنه من الواجب على القاضي المدني الذي ترفع أمامه دعوى للمطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي أن يقبلها، ويحكم للمتضرر بالتعويض عن هذا الضرر متى توفرت شروطه، معتمدا في ذلك على أن نص المادة 124 من التقنين المدني جاء مطلقا لم يحدد الضرر الواجب للتعويض، ويستعمل في هذه الحالة سلطته في التفسير مستندا على نص المادة 01 من التقنين المدني التي جاء فيها أنه في حالة عدم وجود نص تشريعي، يحكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
ونظرا لوجود اختلاف فقهي حول مدى إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي في الشريعة الإسلامية([72])، فنحن نرى أن على القاضي أن يطبق المصدر الأخير وهو مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، هته العدالة التي تقتضي أن يتساوى جميع المواطنين، فمادام أن المتضرر من جريمة يحصل على تعويض عن الضرر المعنوي اللاحق به متى طالب به أمام المحكمة الجزائية، فإنه يكون نفس الحق مخولا لشخص آخر تعرض لنفس الضرر عن نفس الجريمة في أن يحصل على تعويض عنه متى طالب به أمام المحكمة المدنية.
وهناك أحكام عوض من خلالها القضاء الجزائري عن الضرر المعنوي الناتج عن جريمة والذي تم المطالبة به أمام المحكمة المدنية في شكل دعوى مدنية مستقلة عن الدعوى العمومية.
فقد جاء في حيثيات حكم صادر عن محكمة البليدة بتاريخ 13/11/99 تحت رقم 207/99 بخصوص تعويض ذوي الحقوق عن وفاة مورثهم نتيجة جناية قتل عمدي، ما يلي:
"حيث أن وفاة الضحية نتج عنه ضرر مادي ومعنوي ألحق بذوي حقوقها حيث أن طلب المدعية أم الضحية بمبلغ 300.000 دج تعويضا عن الضرر المادي ومبلغ 200.000 دج كتعويض عن الضرر المعنوي مؤسس قانونا يتعين على المحكمة الاستجابة له".
كما أن المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 14/01/2001 ملف رقم 214574 أقرت التعويض عن الضرر المعنوي الذي طالب به عامل أمام القسم الاجتماعي عن التسريح التعسفي، وجاء في حيثياته.
"حيث أنه من قضاء المحكمة العليا المستقر، أن تقدير التعويض عن التسريح التعسفي يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، ولا رقابة للمحكمة العليا عليه في هذا الشأن، ويكفيه أن يعاين كما هو الشأن في دعوى الحال الطابع التعسفي للتسريح ويقدر التعويض حسب الضرر الذي لحق العامل وأن الحكم المطعون فيه يبين أن المبلغ الممنوح للمطعون ضده كان على أساس الضرر المادي والمعنوي الذي لحقه جراء التسريح التعسفي، وهذا كاف لإعطائه الأساس القانوني"([73]).
وكل ما تطرقنا إليه يتعلق بالتعويض عن الضرر المعنوي في المسؤولية التقصيرية طبقا لنص المادة 124 من التقنين المدني، فما هو الحال عليه في المسؤولية العقدية ؟
يذهب القضاء والفقه في فرنسا إلى أن يكون للضرر المعنوي في نطاق المسؤولية العقدية، نفس الحكم الذي يأخذه في المسؤولية التقصيرية، والسند في هذا هو نص المادة 1142 من التقنين المدني الفرنسي التي تقابلها المادة 176 من التقنين المدني الجزائري والتي تنص على أنه "إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا، حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه".
فهذا النص جاء مطلقا أيضا لم يخص الضرر المادي فقط، مما يمكن معه تفسيره على أنه يشمل الضررين المادي والمعنوي.
وإذا كان تصور الضرر المعنوي في المسؤولية التقصيرية أيسر منه في المسؤولية العقدية، فإن ذلك لا ينفي إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي في الالتزامات التعاقدية.
فقد أوردت مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري صورة عن ذلك، وهي إمتناع المودع لديه عن رد لوحة فنية لها عند المودع منزلة أدبية رفيعة، رغم أن قيمتها المادية ضئيلة، وحالة ما إذا تضمن إلغاء العقد المبرم مع أحد المهندسين إضرارا بسمعته([74]).

المطلب الثاني. الشروط الواجب توفرها في الضرر المستحق للتعويض:
ينبغي أن يستجمع الضرر مجموعة من الشروط حتى يكون مستحقا للتعويض، وتتمثل هذه الشروط في أن يكون شخصيا، محققا، مباشرا، وأن يمس بحق ثابت أو مصلحة مالية مشروعة وهو ما سنتعرض له تباعا في الفروع التالية:

الفرع الأول. أن يكون الضرر شخصيا:
ونعني بذلك أن يصيب الضرر الشخص المطالب بالتعويض عن الفعل الضار، فتتوفر فيه المصلحة الشخصية حتى تكون دعواه مقبولة.
ويتحقق هذا الشرط بالنسبة للأضرار المرتدة عن الضرر الأصلي، إذ يعتبر الضرر المرتد ضررا شخصيا لمن ارتد عليه.
كما لو أصيب شخص في حادث بما أعجزه عن القيام بعمله، وبالتالي يحول دون الإنفاق على من يعولهم، فلهؤلاء الحق في طلب التعويض عما لحق بكل واحد منهم من ضرر شخصي، وهذا التعويض يستقل تماما عما يطالب به الشخص العائل من إصلاح مما أصيب هو به من ضرر.
فيكون للضرر المرتد كيان مستقل عن الضرر الأصلي، ويترتب على هذا أنه يمكن لمن أصابه ضرر مرتد المطالبة بالتعويض عنه، حتى لو اتخذت الضحية موقفا سلبيا من حقها في التعويض عن الضرر الذي أصابها أو تنازلت عنه([75]).
وإذا توفيت الضحية المعيلة لأشخاص آخرين دون أن تكون قد طالبت بحقها في التعويض فإن هذا الحق ينتقل إلى ورثتها من بعدها، فيجتمع لديهم هذا الحق مع مل لحق بهم من ضرر مرتد بسبب حادث معيلهم، إلا إذا كانت الضحية قد تنازلت عنه حال حياتها فيبقى لهم الحق في التعويض عن الضرر المرتد الذي لحق بهم، وما يقضي به من تعويض لا يعتبر تركه، فلا يقسم بين الورثة([76])، وهذا ما قضت به المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 14/04/82([77]) تحت رقم 24770 حيث جاء في حيثياته "إن تعويض ذوي الحقوق لا يعتبر إرثا لأن الإرث هو ما خلفه المورث من أموال كان قد جمعها حال حياته، أما التعويض عن الأضرار فهو يعطي لكل من تضرر من الحادث ولو كان غير وارث".

الفرع الثاني. أن يكون الضرر محقق الوقوع:
والمقصود بهذا ألا يكون الضرر افتراضيا (éventuel)، بل يجب أن يكون قد وقع فعلا (réalisé)، أو أن يكون وقوعه مؤكدا وحتميا ولو تراخى إلى المستقبل.
فالضرر الحال هو الضرر الذي وقع فعلا، وتكونت عناصره و مظاهره التي توفر للقاضي معطيات تقويمه، ومثاله ما أصاب المضرور في جسمه أو ماله وقت المطالبة بالتعويض كذلك إذا ما أدى حادث تصادم إلى عطل مادي بالسيارة، وإلى تعطيلها عن الاستعمال لفترة محددة، فالضرر يكون حالا بتبيان العطل الذي أصلح والتعطيل الذي حصل فيعود للقاضي أن يحدد تكاليف تصليح العطل، بدل التعطيل متمثلا بخسارة ما كان يجنيه صاحب السيارة من استعمالها، لو كان هو الذي يستثمرها، أو بتكاليف تنقلاته لو اضطر إلى استئجار سيارات لغرض تنقله([78]).
والضرر قد يكون نهائيا منذ وقوع الحادث، أو يصبح كذلك وقت الحكم بالتعويض بعد أن استقر، فيكون تقويم الضرر على أساس ما كان عند الحادث في الحالة الأولى، وعلى أساس ما استقر عليه في الحالة الثانية.
وإذا لم تستقر حالة الضرر، واستمر مختلفا بين الخطورة والتحسن، فللقاضي الحكم بتعويض يناسب ما قدره من ضرر واقع فعلا، وأن يحفظ الحق للمضرور لاستكمال التعويض حسبما تنتهي إليه حالة الضرر، مادام أنه محقق وليس احتمالي، وهذا في مدة معينة([79]). طبقا لنص المادة 131 من التقنين المدني "يقدر القاضي مدى التعويض الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 مع مراعاة الظروف الملابسة، فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يقدر مدى التعويض بصفة نهائية، فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بالنظر من جديد في التقدير".
والضرر المستقبل هو الضرر الذي تحقق سببه، ولكن لم تكتمل مقوماته في الحاضر، وإن ظهر ما ي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alansi.yoo7.com
 
تقدير التعويض في المسؤولية المدنية-2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تقدير التعويض في المسؤولية المدنية -1
» تقدير التعويض في المسؤولية المدنية-3
» المسؤولية الدولية
» بحث ماهية الدعوى المدنية التبعية للدعوى الجزائية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجموعة المحاماة اليمنية  :: بحوث قانونية :: بحوث قانونية-
انتقل الى: